تونس بين دكتاتوريتين


مجلة توانسة : ونحن نعيش الذكرى الأولى لهروب بن علي يوم 14 جانفي 2011 ، وذكرى الثورة التي اندلعت يوم 17 ديسمبر 2011 ، بدأ المشهد السياسي يتشكّل شيئا فشيئا وتظهر ملامحه، فعلى مستوى المؤسسات انطلق المجلس التأسيسي بعد انتخابه يوم 23 أكتوبر 2011، كما اُنتخب رئيس الجمهورية من قبل هذا المجلس والذي بدوره كلّف السيّد حمادي الجبالي بتشكيل حكومة، هذه الحكومة التّي تقاسمها ما يسمّى بالترويكا أي الثلاثة الأحزاب الفائزة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وهي حركة النهضة والتكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية، فسيطرت هذه الأحزاب على المؤسسات المحدثة إلى الآن كما أحكمت قبضتها على المجلس التأسيسي فلا كلمة تعلو فوق كلمة الترويكا وأصبحت المعارضة أو الأقليّة معزولة ويقتصر دورها على دور صداميّ مشاكس الغاية منه ليس التأثير على الفصول أو التشريعات بل هو نوع من الدّعاية السياسيّة، وكانت الأغلبيّة تستعجل عمليّة التصويت على القرارات دون الدخول في حوارات ونقاشات وهي بذلك تسعى إلى استعجال النتائج بأيسر السّبل وبأقلّ التكاليف، سياسيّا طبعا، ممّا جعلها تظهر مظهر من يقف حاجزا أمام التحاور والإقناع والنّقاش وكأنّي بها تكمّم الأفواه وتستعمل أساليب الغطرسة والتجبّر على الأقلّية وهو نوع من أنواع الدّكتاتوريّة، إنّها دكتاتوريّة الأغلبيّة.
أمّا الدّكتاتوريّة الثانية والتّي برزت خلال الأيّام الأخيرة فهي دكتاتوريّة الشّارع، فقد تجلّت خصوصا عند إعفاء المنصف العجيمي المدير العامّ لقوات النّظام العامّ وخصوصا عند برمجة قوّات الأمن الدّاخلي عبر نقابتهم وقفة احتجاجيّة ضدّ قرار وزير الدّاخلية أمام الوزارة غير أنّنا فوجئنا بوقفة نظّمها أنصار حركة النهضة مساندة للوزير رفعت فيها شعارات مساندة لقراره من نوع ” يا وزير سير سير نحن معاك في التغيير” .وإنّ تنظيم هذه الوقفة جاء للتصدّي للوقفة المبرمجة أي جاءت لتكميم أفواه المحتّجين و منعهم من التعبير عن موقفهم واحتجاجهم.
وما حدث كذلك خلال زيارة الرؤساء الثلاثة إلى القصرين احتفالا بذكرى الثورة هناك وما صحبها من فوضى وعنف تعتّم عليه الإعلام، فقد حدث انفلات قاده عدد من الحاضرين ورفعوا خلاله شعارات جهويّة وذات طابع اجتماعي وما خفي كان أعظم، فهذه أيضا صورة أخرى لسيادة منطق الشارع أو لدكتاتورية الشارع وهي أخطر الدّكتاتوريات على الإطلاق لأنّها تؤدي عادة إلى العنف والاعتداءات الجسديّة مثلما تعرّض له أحد الصحفيين في المدّة الأخيرة أو ما راج حول إمارة سجنان وما يأتيه السّلفيون هناك، فإلى أين تتجه بلادنا اليوم؟ فهل تخلّصنا من دكتاتوريّة لنقع في أحضان دكتاتوريتين؟

عــلي مطــير

0 commentaires for "تونس بين دكتاتوريتين"

علّق على الموضوع

الأرشيف

أحدث التعليقات

أحدث المواضيع